01 - التعليم الأجوف والاقتصاد الأضعف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان ذلك في ستينات القرن الماضي حيث كانت الانطلاقة من الصفر بعد الرحيل الرسمي المظهري للاستعمار ولا زلنا حيث كنا وبإنسان أهون بكثير من ذلك الذي كان وقتها يئن جوعا وينزف دما من آثار حرب إبادية كاسحة الإنسان آنذاك رغم مآسيه قويا مرفوع الرأس موفور الكرامة عكس هذا الذي يوجد اليوم خاويا شاغر النفس مشوه الروح عاجزا عن تحريك التاريخ وإنتاج الحضارة لأن المحيط الذي تدهور يكيفه باستمرار على مقاسه كلما زاد تدهورا بالسرعة المهولة التي يتحرك بها نحوالأسفل ولا شيء يوقف تدحرجه إلى الهاوية فالتوجيه منعدم والتاطير والتعليم المربي والمنشئ لا عماد له وبعيدا تماما عن إنتاج الثروة البشرية ومهمته سلبية تماما إذ ينال الفطرة فيصيبها بالتشويه وينشئ الإنسان الخاضع الخانع الكسول العاجز المركب الجهل الذي يشبه المومياء بل الأسوأ لأنها ثابتة جامدة لا تؤذي ولا تنفع بينما هو يمارس الأذى ولا ينفع نفسه ولا غيره لقد بلغ التدهور مداه ولم يعد هناك بعد يمكن مواصلة الانحدار فيه مما يعني أن الوضع متازم ومنذر بالكثير من الكوارث الاجتماعية والاقتصادية بعد العقم الثقافي والانحراف والفساد السياسي وهكذا يكون الوضع اليوم أسوأ بكثير من ذلك الذي عانى منه زمن مالك بن نبي وعلى القوة الحية أن تتحرك سريعا لتأطير الشعب وتنظيمه وتوجيهه لإصلاح الوضع تدريجيا وإنقاذ الموقف قبل فوات الأوان.
02 - التعليم الهجين عقيم لأنه بلا هوية ولا غاية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يمكنك إنشاء تعليم أو إصلاح الموروث منه عن عهود مضت أو عن المستعمر بلا هوية واضحة المعالم ولا غاية محددة ولا خطة وإستراتايجية دقيقة واضحة المعالم لها قواعدها وشروطها ووسائلها البشرية والمادية المحددة وتمتاز بالمرونة والقابلية للتكيف الإيجابي السريع الذي لا يؤدي إلى أي مشاكل جانبية أو إن هي وقعت لسبب ما تعالج بسرعة ويعاد المسار إلى طبيعته المقررة في البرنامج والخطة والاستراتيجية والمشروع ليبلغ أهدافه الكمية والنوعية والمرحلية والنهائية التي هي في آخر المطاف خلق الثروة البشرية في كل المجالات باعتبارها أم الثروات جميعا وسبب الرقي والازدهار والنجاح في شتى المجالات فمن كانت له تلك الثروة البشرية ملك كل شيء ومن فقدها فقد كل شيء وهي تكتسب أساسا من التعليم الجيد المؤسس على قواعد صلبة متينة حصينة سليمة وهذا ما لا يشكل الاهتمام الرسمي ولا الشعبي الأساسي في بلاد العرب وأغلب بلاد المسلمين حاضرا وهو ما يفسر تأخرهم وانحطاطهم الحضاري وكل مآسيهم وهوانهم وهزائمهم فكيف لأمة "اقرأ" أن ترقى وهي لا "تقرأ" عكس الأمم الرائدة في العصر التي تبنت القراءة رغم أنها لا تملك كتابا مثل كتاب "اقرأ" ولله الأمر من قبل ومن بعد ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
03 - المبدأ الوهمي يقود إلى الضياع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانوا يرفعون شعار المحافظة على المستوى لكن مستوى أي تعليم؟ إنه التعليم الفرنسي الممنوح لأبناء المعمرين والأقدام السوداء؟ وبالتالي يتعين عليك استيراد شعب من هذا الرهط لتعلم أبناءه كما كانوا يتعلمون وتحافظ على المستوى الذي كانت عليه جامعتهم في الجزائر المستعمرة؟ كيف يمكن لرجل من توجه مالك بن نبي ومستواه الفكري العبقري أن يتفهم هذا الشعار المرفوع ويطبقه كمدير للتعليم العالي؟ بل وكيف يمكن للجامعة الجزائرية والتعليم الجزائري عامة أن يرى النور عن طريق هذه الذهنية التي قال عن أصحابها ديغول إنهم فرنسيون أكثر من الفرنسيين والحقيقة أنهم مسوخ لا هم جزائريون ولا هم فرنسيون! لقد ظلوا يعلنون عن الإصلاح بعد الإصلاح وفي كل مرة يستوردون إصلاحا تكون فرنسا قد فشلت فيه واستبدلته بغيره ويريدون تطبيقه عن غير فهم على تعليم مختلف في مجتمع مختلف تماما لا علاقة له كلية بذلك التعليم الذي طبقت عليه فرنسا إصلاحا فاشلا عوضته بغيره في مجتمع مختلف كل الاختلاف ولغايات ينبغي أن تكون مختلفة جذريا عن نظيرتها في ذلك البلد الذي هم متيمون بعشقه! هذا هو واقع الحال وهذه هي الذهنية الغريبة التي أوصلتنا إلى حافة الكارثة إن لم نكونوا قد سقطنا فيها بعد سقوطا قاتلا؟!
04 - تعليم هجين فاشل معرفيا وميدانيا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في مجتمع نام يتطلب الأمر تسريع التخرج واختصار مدة التكوين بالإضافة إلى ضمان النوعية والملاءمة للاحتياجات الميدانية لكن كيف يمكن لمسييرين يعانون من التبعية وانسداد الآفاق والاستلاب أن يبدعوا استراتيجية تعليمية تحقق هدف السرعة والنوعية والملاءمة؟ هذه هي المعضلة الكبرى في التنمية المنشودة التي يطرحها مالك بن نبي في ظروف الانطلاقة لبناء بلد انهار فيه كل شيء بفعل الحرب المدمرة التي خاضها شعبه البطل مع أسوإ استعمار عرفته المعمورة .. المسير المعاني من التبعية والاستلاب على الأقل يريد تقليد الأنموذج الفرنسي لأنه في نظره لا يوجد غيره ولا يستطيع أن يتصور طريقة أخرى للتعليم والعمل إلا تلك ولذلك يبقى حسب عبارة مالك بن نبي يراوح مكانه
فلا هو بمحقق تبعيته ولا بمنجز لطريقة مبدعة تلائم حاجة طلابه ومجتمعه ولا هو بمستطيع تقليد طريقة البلد المستعمر سابقا لأن ذلك مستحيل بالطبيعة فالمجتمع غير المجتمع والبيئة غير البيئة والهوية غير الهوية والاختلاف لا حدود له وبالتالي لا يستطيع هذا المسير إلا القيام بالتوقف والجمود على غرار حمار بوريدان الذي يقف على مسافة وسط بين الماء والعلف لانعدام قدرته على التمييز حتى يموت ساكنا جوعا وعطشا فهل قدر الأجيال الصاعدة هو الموت بمعاناة تسيير حمار بوريدان لتعليمها وحياتها عامة؟!
05 - الفشل في تعليم الطب جريمة ضد الإنسانية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا زال الفشل كما كان على عهد مالك بن نبي الذي كان يتألم لما يراه بين عينيه من فشل التعليم عامة والطب منه خاصة لصلته الوثيقة بصحة الإنسان وما يترتب عنها من نتائج خطيرة على المستوى الفردي والاجتماعي والحال أن اللامبالاة من المسؤولين على القطاع وعلى البلاد كلها هي سيدة الموقف ولا يمكن وصف وضع مماثل إلا بانه جريمة نكراء ضد الإنسانية كما كانت تلميحات مالك لقد تكاثرت كليات الطب والجامعات كثيرا أما النوعية فتدهورت أكثر بكثير من الوقت الذي تحدث فيهما مفكرنا عنها .. فإلى أين يا جزائر؟!
06 - تسريع الإتاج في بلد نام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا هو المعيار السليم مع المحافظة على النوعية فلا يكون التسريع المطلوب على حسابها غير أن هذا المعيار الجوهري لم يكن مأخوذا بعين الاعتبار في تسيير تعليم الطب ولا في غيره من التعليم الجامعي أي ميدان آخر وهي حالة سلبية خطيرة أدت ألى ما نحن فيه اليوم من تدهور عام ورداءة وفساد وخطر محدق من كل الجوانب بالعباد والبلاد.
07 - تسرب الثروة البشرية النادرة البطيئة النشأة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الثروة البشرية النادرة البطيئة التكوين تتسرب إلى الخارج فيما يسمى بهجرة العقول وهي في الحقيقة تتجاوز العقول المكونة ببطئ وقلة وربما دون المستوى المطلوب إلى الأيادي المدربة وشتى الخبرات الفكرية والعملية التي يضيق بها المقام في بلدها الذي كلفته الكثير وانتظرها بفارغ الصبر ليستولي عليها المستغل الأجنبي للثروات المادية للبلدان الفقيرة المتخلفة وأيضا البشرية التي تعد بصعوبة فتذهب إلى البلدان الإمبريالية لتستفيد منها دون أن تتكلف أي شيء في تكوينها وهكذا بؤدي التفريط وسوء التسيير وربما التخريب المتعمد إلى ضياع الثروات المادية بأبخس الأثمان لفائدة استعمار الأمس واليوم وأيضا الثروات البشرية الثمينة التي يتحصل عليها ذات المستعمر مجانا وهي كارثة الكوارث ..
08 - استحواذ العالم المتقدم على المواد الأولية الثمينة والعقول بأرخص الأثمان من العالم الثالث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه هي أبشع أنواع اللامساواة والظلم والعدوان التي يمارسها المتقدمون ماديا وعلميا وتكنولوجيا وإنسانيا داخل بلدانهم لكنهم في علاقاتهم مع الضعفاء لا خلاق لهم ولا إنسانية وإنما هم أشرس من الحيوانات المفترسة لا رأفة لديهم ولا رحمة ولا شفقة بالمعذبين في الأرض بسبب قابليتهم للاستعمار فيستغلونها أفظع استغلال وقد يدعون كما فعلوا في بداية الاستعمار المجرم أنهم إنما أتوا لتحضير الشعوب الهمجية وتهذيبها وتمدينها وتطويرها وإذا بهم يشنون عليها حرب إبادة ويقتلون منها الملايين من أجل الاستيلاء على خيراتها المادية والبشرية والانتفاع بها وزيادة ثرائهم وازدهارهم وتقدمهم متسببين في بؤس الشعوب المستضعفة وهوانها وجهلها ومعاناتها في كل المجالات أشد المعاناة
09 - العجز عن إصلاح التعليم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان مالك بن نبي يتحدث عن إصلاح التعليم العالي بمرارة والحديث ينسحب منطقيا وواقعيا على كل مراحل التعليم وأنواعه فالمشكلة هي العجز المؤكد عن إصلاح التعليم وهذا مستوى من الخطورة على العباد والبلاد متقدم وينذر بكل الأخطار المدمرة وقد كان هذا في أواخر الستينات وأوائل السبعينات من القرن الماضي العشرين فكيف بنا اليوم؟ إن ذلك العجز ظل يتراكم ويتشعب ويتعقد إلى أن بلغنا حالة مأساوية حيث صار التعليم هيكلا بلا روح يستقبل أطفالا أو مراهقين أو شبابا وحتى كهولا لا ليرقيهم معرفيا ومهنيا وعمليا بل ليتوههم ويشوههم ويحرفهم فيصيرون عجزة عن إنجاز أي شيء نظريا أو عمليا بل أكثر من ذلك يصابون بتشوهات عقلية وعملية وخلقية تجعلهم خطرين على أنفسهم وعلى المجتمع من حولهم ولا أظن أن مالك بن نبي كان يفكر لحظة في بلوغ تدهور التعليم هذا المبلغ المأساوي فحتى إن كان هناك عجزا عن الإصلاح فعلى الأقل تبقى الأمور على كانت عليه ولا تتدحرج إلى الدرك الأسفل من الفساد والرداءة والانحراف عن الطريق السوي المؤدي طبيعبا إلى ترقية الإنسان وانخراطه في النخبة والثروة البشرية المقصودة من تمدرسه وليس الوقوع في مغبات الفساد والفشل والرداءة والانحرافات بكل أنواعها ومنها التطرف الذي لا يتصور نشأته في جامعة أو مدرسة إن كانت مؤسسة للتربية والتعليم والتكوين والتهذيب؟!
10 - الرياح الإيدلوجية العاصفة في الجامعات الجزائرية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان ذلك في الثلث الأخير من القرن العشرين حيث كانت النوافذ والأبواب مفتوحة على مصاريعها أمام الإيديولوجيات الغربية والشرقية دون اتخاذ أي احتياطات وقائية مما أدى إلى الصراعات المدمرة في جامعاتنا خاصة بين الإسلاميين والشيوعيين وفي النهاية خرجت تلك العواصف الهوجاء من الحرم الجامعي إلى الشارع ومختلف المؤسسات التعليمية خاصة وكان ما كان من تحاور بالسلاح أدى إلى مآسي رهيبة أقلها مئات آلاف الضحايا في تسعينات القرن العشرين الماضي ولم نستفد من التجربة وصار بلدنا الفاقد للمناعة أرضا مباحة لكل من يريد تصدير ما يهوى من تيارات متطرفة غريبة يريد مروجوها خلق طوائف التي لا حظوا انعدامها في الجزائر مما اضطرهم إلى استعمال كل الوسائل الهابطة لزرعها في هذا البلد الطيب فجاء ما لم نكن نسمع به مجرد السماع من هذه الشراذم التي تصر على التوطن بهذا البلد التعيس بأهله الفاقد للمناعة فقدانا تاما وها هم يتكاثرون ويتكتلون ويشرعون في نشاطات هدامة دون رقيب ولا حسيب! ويستعدون لإعلان الحرب الطائفية كبقية بلدان العرب بعد أن يصبح عددهم كاف لذلك .. فإلى أين حقا يا جزائر؟!